القاهرة: د. هاني رمزي عوض
لا شك أن صورة الجسد (Body Image) تلعب دوراً مهماً في الحفاظ على الصحة النفسية السليمة، وبشكل خاص أثناء مرحلة المراهقة التي تعتبر من أهم الفترات التي يتغير فيها شكل الجسم ويتحول من الطفولة إلى البلوغ.
وبطبيعة الحال تتأثر صورة الجسد بالمجتمع المحيط بالطفل، والمقاييس التي تحكم معيار عبارة ما يسمى «الجسد المثالي» سواء للفتيات أو للفتيان.
وهناك نسبة كبيرة من المراهقين، تصل تقريباً إلى 50 في المائة، غير راضية عن صور أجسادهم، حتى لو كان الجسد سليماً من الناحية الصحية.
صورة الجسد
أوضح العلماء أن وزن الجسم وحالة الجلد سواء اللون أو الإصابة بالأمراض الجلدية التي تحمل طابعاً مزمناً، مثل حب الشباب (acne) أو البهاق (vitiligo) وكل ما يتعلق بالشعر، تعتبر من أهم الأشياء التي تحكم صورة الجسد بالنسبة للمراهقين. وبشكل أقل يؤثر طول وقصر القامة في صورة الجسد، وخصوصاً في الحدود المعتادة، ولكن الطول أو قصر القامة المبالغ فيهما ينعكسان بالسلب بالطبع.
وتأتي في المرتبة الأخيرة ملامح الوجه، إلا إذا صاحبتها عيوب خلقية تجعل شكل العضو مختلفاً، مثل عظمة الأنف أو الأذن أو بروز عظام الوجه والفكين. ولكن في المجمل يعتبر الوزن، وخصوصاً في الوقت الحالي، أهم المحددات لصورة الجسد.
بسبب انتشار وسائل التواصل أصبح الأطفال أكثر وعياً بصورة الجسد في سن مبكرة. وعلى سبيل المثال، في استطلاع أُجري في نهاية سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، كانت هناك نسبة بلغت 57 في المائة من الفتيات في سن الثامنة غير راضيات عن أشكال أجسادهن، وزادت هذه النسبة لتصل إلى 73 في المائة في الفتيات في سن 12 عاماً فقط. وفي المقابل كانت النسبتان للذكور 49 في المائة و69 في المائة في الفئتين العمريتين ذاتهما.
وقال هؤلاء الأطفال إن الخجل من أجسادهم منعهم من المشاركة في الأنشطة والمناسبات الاجتماعية المختلفة، وفي الأغلب تجنبوا الصور المشتركة، وارتدى معظمهم ملابس فضفاضة تخفي شكل الجسم.
وبالطبع تتكون النظرة السلبية للجسد من آراء المحيطين، وعلى وجه التقريب هناك طفل من كل ثلاثة تعرض للتنمر بسبب مظهره من قبل أقران أو غرباء أو حتى من أفراد الأسرة، وذكر هؤلاء أن التعرض المباشر للكلام المؤذي كان له وقع أكبر من التنمر عبر الإنترنت.
نصح العلماء الآباء بضرورة أن يقدموا نموذجاً جيداً لأطفالهم بخصوص صورة الجسد، ويتجنبوا السخرية من الوزن تماماً سواء كانت تلك السخرية على وزن الشخص نفسه أو وزن شخص آخر؛ لأن هذا السلوك يرسخ في ذهن الطفل صورة سلبية عن احترام الجسد أياً كان حجمه، ويجعل الطفل مهيأ نفسياً لتقبل السخرية من الآخرين.
ويجب على الآباء، بدلاً من ذلك، التركيز على تنوع شكل الجسد (body diversity). وعلى سبيل المثال إذا قام الطفل بالتعليق على حجم أو اختلاف شكل جسم شخص معين أو مظهره بشكل عام سواء كان طفلاً أو بالغاً من المحيطين به أو في برنامج تلفزيوني، يجب على الآباء أن يقوموا بتوضيح أن هناك تنويعات عدة لشكل الجسم ولون الجلد، ولا يوجد أي نموذج منهم سيئ، ولكنه فقط مختلف، ويجب احترام كل صور الجسد.
دور الآباء
يجب على الآباء أن يضعوا في اعتبارهم أهمية «اللغة»، التي يتم التعامل بها مع المراهق الذي يعاني من صورة سلبية للجسد، واستخدام كلمات مشجعة للمعنى ذاته… وعلى سبيل المثال يمكن وصف الطعام بكلمة «صحي» أو «غير صحي» بدلاً من «جيد» و«رديء»، وأيضاً يجب نصح الأطفال برفق وعدم إلقاء اللوم عليهم فيما يتعلق بتناول طعام معين أو عدم تناوله. وأيضاً يجب عدم التركيز على موضوع الوزن سواء بالسلب أو بالإيجاب، ولكن يكون التركيز في الحديث على الدراسة، وآراء المراهق في الأحداث حوله؛ حتى يتعلم المراهق أن الاحترام يكون ناتجاً من الرأي والتصرفات بغض النظر عن صورة الجسد.
إن دور الآباء والمدربين في النوادي والمدرسين هو ترسيخ فكرة أن شكل الجسد المثالي (perfect body shape) هو الجسد السليم صحياً، بعيداً عن مقاييس منصات التواصل الاجتماعي المضللة وغير الحقيقية. بل ويمكن استثمار النماذج الناجحة المغايرة للمقاييس العامة لشكل الجسد من نجوم المجالات المختلفة، ويجب أن يكون بشكل غير مباشر حتى لا يؤدي إلى نتيجة عكسية.
وفي بعض الأحيان يكون للثناء الإيجابي والحديث المشجع باستمرار أثر سلبي، حيث يشعر المراهق بأنه يثير تعاطف الآباء أو الأصدقاء، وأن لديه بالفعل مشكلة معينة تستحق التعاطف من الآخرين، لذلك يجب أن يقوم الآباء بالتعامل بشكل طبيعي.
يمكن للآباء أن يحكوا عن تجاربهم الشخصية فيما يتعلق بشكل الجسد، وخصوصاً وقت المراهقة، ومن خلال ذلك يشعر الطفل بأن ما يمر به جزء من عملية النمو، بمعنى أن يجعل الآباء موضوع صورة الجسد طبيعياً (Normalize) مما يساعد المراهقين على التغلب عليه.
ويفضل أيضاً عدم التعليق على ملابس المراهق بشكل مباشر فيما يتعلق بشكل الجسد، على سبيل المثال: «هذا الثوب يجعلك تبدو أكثر سمنة أو أكثر نحافة» أو «هذا اللون لا يناسب لون بشرتك»؛ لأن المراهق يكون حساساً من هذه التعليقات ويشعر بنوع من الحرمان نتيجة لعدم تمكنه من ارتداء زي معين بسبب جسده.
ويجب على الآباء أن يقوموا بتشجيع اختيارات المراهق ما دامت تشعره بالراحة والانتماء لأقرانه، ويجب أن يدركوا أن الأمر مؤقت ويتغير بعد النضج.
* استشاري طب الأطفال