تشعر ماري مينج بالانشغال والتوتر الشديدين بسبب عملها لدى شركة تكنولوجيا صينية في شنغهاي لدرجة أنها لا تستطيع أن تتخيل إنجاب طفل ثان.
وتقول مينغ، وهي أم لطفل في المرحلة الابتدائية وتبلغ من العمر 37 عاما: إن “ضغوط العمل كبيرة لدرجة أنك لا تجدين أي وقت لقضائه مع طفلك. كيف يمكنني التفكير في رعاية طفلين؟ ليس لدي أي فكرة”.
ويتردد صدى ما تقوله بين سكان المناطق الحضرية في كل مكان. ويقول خبراء السكان إنه نظرا لوتيرة التراجع السكاني والشيخوخة في الصين، فإنه يتعين على بكين أن تولي قدرا أكبر من الاهتمام للتعامل مع تأثير الحياة السريعة باهظة التكاليف في المدينة على معدلات المواليد.
وتشهد الصين نقصا متسارعا في عدد الأمهات. ومن المتوقع أن ينخفض عدد النساء في سن الإنجاب، الذي حددته الأمم المتحدة بأنه يتراوح بين 15 و49 عاما، بأكثر من الثلثين إلى أقل من 100 مليون بنهاية القرن.
وخلال اجتماع سياسي رفيع المستوى يعقد مرتين كل 10 سنوات، أعلنت الصين الشهر الماضي خططا لبناء “مجتمع صديق للإنجاب” وتعهدت بتنفيذ تدابير يطالب بها خبراء السكان منذ فترة طويلة مثل خفض تكاليف رعاية الأطفال والتعليم، لكن ما جعل اليأس يجد طريقه لأنفس الخبراء هو أن بكين تعهدت أيضا بتشجيع مزيد من الناس على الانتقال إلى المدن.
وتهدف هذه السياسة إلى زيادة الطلب على المساكن لدعم قطاع العقارات المتعثر، ودعم النمو الاقتصادي المتباطئ من خلال زيادة الإنتاجية وتعزيز الاستهلاك. وعادة ما ينتج سكان المناطق الحضرية ويشترون سلعا وخدمات ذات قيمة مضافة أعلى من نظرائهم في المناطق الريفية.
لكن الدعم الجديد للتوجه للمناطق الحضرية يتجاهل نظرية ديموغرافية أساسية. ففي المدن، ينجب الأفراد عددا أقل من الأطفال بسبب ارتفاع تكاليف السكن ومحدودية المساحات والتعليم باهظ التكاليف، ولأنهم يقضون أغلب يومهم في العمل.
وارتفعت معدلات عدم إنجاب الأزواج في الصين من 2 % في ثمانينيات القرن العشرين إلى 18 %، مقابل 15 % على مستوى العالم. ويرجع الأطباء ارتفاع النسبة إلى عوامل مثل الضغوط المرتبطة بالعمل في المدن والتلوث الصناعي.
وبحسب أحدث التقديرات الصادرة عن أعلى هيئة للتخطيط الاقتصادي في الصين، فإن معدلات الخصوبة في المناطق الريفية في البلاد كانت أعلى قليلا عند 1.54 عن المعدل الوطني البالغ 1.3 في 2020، وبلغ معدل الخصوبة في شنغهاي 0.6 في 2023 مقابل 1.1 على المستوى الوطني.
وقال يي فوكسيان الخبير الديموغرافي في جامعة ويسكونسن ماديسون: إن السلطات تدفع “بشكل أحمق” الشباب “إلى المدن الكبرى غير الصديقة للإنجاب وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى استمرار انخفاض الخصوبة وتفاقم أزمة الشيخوخة”.
ويقول الخبراء إن النهوض بمستويات المعيشة في المناطق الريفية من خلال توفير خدمات عامة أفضل أو تحسين الحقوق المرتبطة بالأراضي من شأنه أن يكون له تأثير أكثر استدامة في النمو الاقتصادي مقارنة باستمرار التوسع في المدن بالنظر إلى أن ذلك قد يؤدي إلى تحسين معدلات المواليد.