- حسام فازولا
- بي بي سي نيوز
منذ ذروة انتشاره في التسعينات، قطع العالم شوطا كبيرا في التعامل مع فيروس نقص المناعة المكتسب HIV، ونجح في تقليل حالات الإصابة الجديدة إلى أقل من النصف. رغم ذلك حصد HIV حياة أكثر من 40 مليون شخص حول العالم حتى الآن.
وفقا لبيانات منظمة الصحة العالمية انخفض العدد العالمي للإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية بنسبة 32٪ بين عامي 2010 و2021.
وعلى الرغم من أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لديها أدنى عبء لفيروس نقص المناعة البشرية في العالم، فقد ارتفع عدد الإصابات الجديدة بنسبة 33 ٪ في نفس الفترة، وفقا لتقرير شاركه برنامج الأمم المتحدة للإيدز مع بي بي سي نيوز عربي.
وهذا جعل المنطقة واحدة من بين ثلاث مناطق في العالم فقط – إلى جانب أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى وأمريكا اللاتينية – حيث لا يزال فيروس نقص المناعة البشرية في ازدياد.
بينما يعتقد البعض أن الزيادة في الإصابات الجديدة بفيروس HIV التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ترجع لانتشار إجراء اختبارات فيروس نقص المناعة البشرية على نطاق أوسع من ذي قبل، يرى الخبراء أن المشكلة قد تكون أكثر تعقيدًا.
تقول الدكتورة نسرين رزق، أخصائية فيروس نقص المناعة البشرية في الجامعة الأمريكية في بيروت إن “الحالات الإيجابية التي نكتشفها من خلال زيادة الفحوصات ليست حالات قديمة”. وتضيف بأن أغلبهم أشخاص مصابون حديثًا، “وهذا يدل على فشلنا في وقف انتشار فيروس نقص المناعة البشرية في المنطقة”.
“هناك بالتأكيد وعي متزايد بفيروس نقص المناعة البشرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكنه لا يزال غير كافٍ”.
وبحسب رزق، هناك نقص في “المعلومات العلمية الدقيقة” في المنطقة عندما يتعلق الأمر بفيروس نقص المناعة البشرية.
جال فريق بي بي سي نيوز عربي في شوارع بيروت والقاهرة في استطلاع رأي يسأل الناس عما يعرفونه عن فيروس نقص المناعة البشرية وما يعتقدون أنه السبب وراء ارتفاع الحالات.
قال أكثر من نصف الذين شملهم الاستطلاع إنهم “لا يعرفون الكثير عن فيروس نقص المناعة البشرية والإيدز”. وقال أحد المشاركين إنه لم يسمع عنه من قبل قط. وأضاف البعض أنهم لا يهتمون بمعرفة المزيد عن المرض، لأنه يتعلق فقط “بالعلاقات غير الشرعية”.
في المنطقة العربية – وفي جميع أنحاء العالم – يُعتبر الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات بالحقن، والرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال، والعابرين جنسيًا، والعاملين بالجنس أكثر الفئات عرضة للإصابة بالفيروس. ولكن هل يعني هذا أن باقي الفئات بعيدة عن المرض؟
تجيب شيرين الفقي المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة المعني بالإيدز في حوارها مع بي بي سي نيوز عربي: “هذه الفئات المعرضة للخطر، ليست فئات معزولة عن المجتمع وهي على تواصل مع كل الفئات الأخرى، والآن نرى انتشار الفيروس في بلاد مختلفة، خاصة بين فئة الشباب. ولذلك نسعى بشكل كبير لنشر الوعي بخصوص الأمر”.
منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليست فقط واحدة من ثلاث مناطق يتزايد فيها عدد حالات الإصابة الجديدة بفيروس، فالمنطقة أيضًا بها أدنى معدل تغطية لعلاج فيروس نقص المناعة البشرية في العالم.
فوفقًا لآخر تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة المعني بالإيدز (UNAIDS)، فإن 50٪ فقط من المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يحصلون على العلاج. هذا الرقم أقل بالنسبة للنساء بنسبة لا تتخطى الـ44% والأطفال بنسبة 40% فقط.
وفي حين أن العلاج متاح على نطاق واسع، فإن وصمة العار حول فيروس نقص المناعة البشرية تقع عائقا أمام الأشخاص الراغبين في الاختبار أو البحث عن العلاج. ونتيجة لذلك، يعرف فقط 67٪ من الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية أنهم مصابون به، وفقًا لتقرير UNAIDS.
ويحذر البرنامج الأممي من أن الاختبارات غير الفعالة، والعلاج دون المستوى الأمثل، يؤديان إلى نقص التشخيص واستمرار انتقال العدوى وتأخر العلاج وارتفاع معدل الوفيات.
قال أحمد (ليس اسمه الحقيقي) لبي بي سي إنه اشتبه في إصابته بفيروس نقص المناعة البشرية لمدة 5 سنوات قبل أن يتجرأ أخيرًا على إجراء اختبار العام الماضي، حين تأكد من إصابته بالمرض.
يقول أحمد، “لا زلت بصحة جيدة حتى الآن، وسأظل طالما دمت أتلقى علاجي”. “لكن التشخيص المبكر كان يمكن أن يحدث فرقًا في صحتي النفسية والجسدية.”
في البلدان التي يتم فيها تجريم العلاقات الجنسية المثلية، يفكر العديد من الأشخاص مثل أحمد في احتمالية الملاحقة القضائية والوصمة التي قد تهدد حياتهم قبل أن يفكروا في الخضوع للاختبار فيروس نقص المناعة.
تقول الفقي “يرى بعض الناس أن فيروس نقص المناعة البشرية بمثابة حكم بالإعدام”. لكنها تضيف، بفضل الطب الحديث والصحة العامة فإن “فيروس نقص المناعة البشرية يمكن الآن الوقاية منه والتعايش معه وعلاجه “.
ضمن جهودها لنشر الوعي بالمرض، تحيي الأمم المتحدة يوما عالميا للإيذر يأتي هذا العام تحت شعار المساواة.
تقول الفقي إن أكبر عقبة في الكفاح العالمي ضد فيروس نقص المناعة البشرية حاليًا هي عدم المساواة.
“عدم المساواة تمنع الناس من الحصول على أفضل علاج للاختبار وكذلك الوقاية منه”.
“تحريك المشكال”
بينما أحد أهم أشكال عدم المساواة هو الفقر وعدم القدرة على الوصول إلى الخدمات التعليمية والطبية، فالقوانين الصارمة وقمع الحريات الشخصية هو شكل آخر للتمييز.
في بعض بلدان أفريقيا جنوب الصحراء حيث يتم تجريم العلاقات الجنسية المثلية، كما هو الحال في العديد من البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كان الرجال المثليون أكثر عرضة للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية 5 مرات من البلدان الأخرى في نفس المنطقة التي ليس فيها مثل هذه القوانين.
تقول الفقي: “كيف تتقدم وتفشي حالتك وأنت معرض لممارسات خطيرة؟ … عدم المساواة بين الجنسين هي نقطة ضعف حقيقية للنساء والفتيات اللائي يتعاملن مع فيروس نقص المناعة البشرية”.
تعمل UNAIDS مع منظمة الصحة العالمية في حملة في ديسمبر/ كانون الأول 2022 لمساعدة 5 ألاف شخص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لإجراء اختبارات للفيروس والحصول على العلاج بشكل سري يضمن خصوصيتهم.
تقول الفقي: “مشكلة فيروس نقص المناعة البشرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مثل لعبة المشكال، يمكنك أن تنظر فيها – كما فعلت العديد من الحكومات – وترى أن هناك حالات أقل نسبيًا من أجزاء أخرى من العالم… لكننا نشجع الحكومات على أن يحركوا هذا المشكال ويروا أنه نظرًا لوجود عدد أقل نسبيًا من حالات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية من باقي مناطق العالم، يمكننا أن نكون من أولى المناطق التي تتخلص منه”.