3 عوامل تقود للريادة في نضج الحكومة الرقمية


جاء صعود المملكة للمرتبة الثالثة عالميًا في مؤشر نضج الحكومة الرقمية لعام 2022م الصادر عن مجموعة البنك الدولي، من بين (198) دولة مدعومًا بالبنية التحتية الرقمية، والتي قامت الدولة بتأسيسها على مدار أعوام سابقة، وهو ما أتاح لها إطلاق العديد من التطبيقات والبرامج التي ساعدت على تيسير حياة الجميع، ولم يكن مستغربًا أن تصنف المملكة الأولى إقليميًا وأن تأتي ضمن مجموعة الدول «المتقدمة جداً» في مجال الحكومة الإلكترونية، ونتيجة لهذه الطفرة كان السعوديون الأقل تضررًا بجائحة كورونا في منطقة الشرق الأوسط، فمع اضطرار الحكومة للقيام بإجراءات احترازية، وتوقف العمل في العديد من الجهات والدوائر الحكومية، وجد المتعاملون مع تلك الجهات والدوائر أنفسهم ليسوا مضطرين لتوقف أعمالهم، بل كل ما عليهم فقط هو تنزيل التطبيق الخاص بهذه الجهة أو تلك، وقضاء أعمالهم وهم في منازلهم، وتمكنت المملكة منذ إنشاء «هيئة الاتصالات» في 2001 من إحداث إصلاحات جذرية أسهمت في رفع تصنيفها دوليًا لتتبوأ «المستوى الخامس» كأحد أكثر منظمي القطاع نضجًا حول العالم، وتنعكس تلك النجاحات التنظيمية على تحسن الخدمات ومضاعفة أعداد الشركات المرخصة ونمو في سرعة الإنترنت، بنحو 1548% خلال السنوات الأربع الماضية.

حكومة بلا ورق في أولويات الرؤية

كان من أهم أهداف رؤية 2030 وبرنامج التحول الرقمي أن تصبح حكومة المملكة (حكومة بلا ورق)، ورغم أن ذلك الهدف يبدو سهلًا مع ما نعيشه من تقدم تكنولوجي، إلا أن الأمر لم يكن أبدًا بهذه السهولة، خاصة مع وجود مليارات المعلومات والبيانات التي تضمها مليارات الأوراق، وكان لا بد لها من عملية (رقمنة)، أي تحويل المعلومات من صيغة مادية (مثل الورق) إلى صيغة رقمية، ثم بعدها عملية (دجتلة) عن طريق استخدام التقنية لتحويل العمليات التشغيلية من تقليدية إلى رقمية، وبعدها يأتي (التحول الرقمي)، بالتحول الشامل في إعادة تصميم نماذج الأعمال إلى نماذج عصرية تُوظف البيانات والتطورات الرقمية، ورغم المفاجأة غير السارة التي تسببت فيها جائحة كورونا، إلا أن ما كانت تتمتع به المملكة من بنية تحتية رقمية قوية ساهم في تسريع عملية التحول الرقمي فيها.

وعملت هذه البنية على تمكين المملكة لمواجهة الأزمات المُعطلة لكافّة الخدمات في القطاعين العام والخاص، كما ساهمت في استمرارية الأعمال والعمليات التعليمية وكافّة متطلبات الحياة اليومية للمواطن والمقيم في ظل جائحة كورونا، وقد صُنفِت المملكة ضمن أفضل 10 دول متقدمة في العالم لما تمتلكه من قوة في البنية التحتية الرقمية.

15 % نسبة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي

يمثل الاقتصاد الرقمي حاليًا 12-15% من الناتج المحلي، وتطمح المملكة إلى وصوله إلى 25% في العام 2025، وفقًا لمركز التحول الرقمي، وتطمح المملكة كذلك إلى وصول مساهمة التقنية المالية فقط في الناتج المحلي الإجمالي من 1 إلى 1.2 مليار دولار بحلول 2025، وأصبحت السعودية في المركز الأول عالميًا في سرعات الجيل الخامس، والثاني في الأمن السيبراني، والثالث في توظيف التقنيات الحديثة لاحتواء جائحة كورونا، وبالمركز السابع في تمويل التطوير التقني، والـ9 في تطبيق وتطوير التقنية والـ10 ضمن مجموعة العشرين في مؤشر القدرات ورأس المال البشري.

خطط خمسية للصحة والتعليم والتجارة الرقمية

تبنت المملكة إستراتيجيات وطنية للتحول الرقمي وخططًا خمسية واعدة وطموحة بالتعاون مع الجهات الحكومية، ووضعت خططًا تنفيذية يجري حاليًا العمل على الخطة الثالثة منها ومن أبرز مخططاتها الإستراتيجية، الصحة الرقمية، والتعليم الرقمي، والتجارة الرقمية، والمدن الذكية، وتُعد منصة البيانات المفتوحة من المبادرات المهمة، التي توفر قاعدة بيانات حكومية، وتعمل على وضع إستراتيجية عامة لتمكين الشفافية، وتشجيع المشاركة الإلكترونية، وتحفيز الإبداع، وتحتوي المنصة على آلاف البيانات المالية والإحصائية عن مختلف المجالات والأنشطة في الدولة، والبيانات المفتوحة هي تلك البيانات التي يُمكن لأي فرد استخدامها بحرية ودون قيود تقنية أو مالية أو قانونية، ومن المبادرات كذلك مبادرة العطاء الرقمي، وتهدف إلى نشر الوعي الرقمي ومحو الأمية الرقمية عبر بناء مجتمع تطوعي، ويعمل القائمون على برنامج (يسِّر) على إنشاء (المنصة الوطنية الموحدة)، والتي تعمل على توحيد التطبيقات التي تُقدم الخدمات الحكومية في كل الجهات، مما يُسهل من استخدام المستفيدين لتلك التطبيقات.

97 % نسبة نضج الحكومة الرقمية

تميزت المملكة في مؤشر نضج الحكومة الرقمية ومؤشراته الفرعية، الذى يقيس 4 مجالات رئيسية، هي توفر الأنظمة الحكومية الأساسية، تقديم الخدمات الحكومية الرقمية، التفاعل مع المواطنين، وتعزيز ممكنات التحول الرقمي الحكومي، وبحسب بيانات المؤشر حقَّقت المملكة نسبة نضج عالية على مستوى المؤشر العام بلغت 97.13%، وهو ما وضع المملكة ضمن الدول الرائدة والمبتكرة عالمياً، وفي مؤشر الأنظمة الحكومية الأساسية بلغت نسبة نضج المملكة 96.29%، بينما وصلت نسبة نضجها 97.69% في مؤشر ممكنات التحول الرقمي الحكومي.

واستمرت في التميز على مستوى مؤشري تقديم الخدمات الحكومية الرقمية والتفاعل مع المواطنين، بنسب نضج بلغت 97.93% و96.62% على التوالي، لتكون المملكة بذلك ضمن مجموعة الدول المتقدمة جداً بالتصنيف (A) في جميع المؤشرات الفرعية.

المملكة في أعلى مستويات النضج التنظيمي الرقمي

أعلن الاتحاد الدولي للاتصالات مؤخرًا عن تصنيف المملكة في أعلى مستويات مؤشر النضج التنظيمي الرقمي عقب نجاحها في بناء إطار تنظيمي مستدام ومتجانس والتحول نحو التنظيم التعاوني، لتكون في المرتبة الأولى بالشرق الأوسط وأفريقيا، وفي المرتبة التاسعة بين دول مجموعة العشرين، ونجحت المملكة من خلال رؤية 2030 في تمكين قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات ووضع إستراتيجية طموحة للتحول نحو «منظم رقمي» من خلال إطلاق عدد من المبادرات لتطوير تنظيمات قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات والوصول به نحو أعلى مستويات النضج التنظيمي عالميًا، وجرى إنشاء لجنة التنظيمات الوطنية كخطوة إستراتيجية لتوفير بيئة تنظيمية جاذبة ومحفزة لمختلف القطاعات، وتعزيز الاستثمار في الاقتصاد الرقمي وتسريع التحول، وتحقيق أعلى مستوى من التنسيق بين الجهات التنظيمية، إلى جانب المواءمة في تنظيم الموضوعات الرقمية المشتركة بين الجهات، بما يصب في مصلحة تعزيز البيئة التنظيمية الرقمية في مختلف القطاعات الحيوية، وأشار الاتحاد الدولي للاتصالات إلى أن معايير تصنيف النضج التنظيمي لهيئات ومنظمات قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في العالم تتمحور حول قياس مدى تطور القطاع ومواكبة تنظيماته للمستجدات الرقمية ومدى التعاون الحكومي، بالإضافة للجوانب المتعلقة بالخدمات المقدمة للمشتركين والبيئة الاستثمارية لمقدمي الخدمات، والأسلوب التنظيمي لمنظم القطاع، عبر اعتماد 50 معياراً لتصنيف منظمي قطاع الاتصالات حول العالم وتقسيمها إلى عدة مستويات أعلاها «المستوى الخامس» الذي يضم الدول ذات التنظيم التعاوني بين المنظمين من قطاع الاتصالات.

المملكة من الحكومة الإلكترونية إلى الذكية

تخطط المملكة في الوقت الحالي إلى الانتقال من الحكومة الإلكترونية إلى الحكومة الذكية، والتي تُعد آخر ما توصل له العالم في نطاق الخدمات الحكومية، والفرق بين الحكومة الإلكترونية والذكية، هي أن الأولى تعني قدرة المواطن على تنفيذ المعاملات الحكومية عن طريق الإنترنت، أما الخدمة الذكية فهى خدمة استباقية ذات موثوقية عالية و داعمة لاتخاذ القرار لدى المستفيدين، حيث تتخذ القرار بالنيابة عن الجهة الحكومية والمستفيد أيضًا، ولديها إمكانية التأكد من أن مستخدم الخدمة هو صاحب الصفة الاعتبارية الصحيحة وليس أحد يقوم بذلك بالنيابة عنه، وهو ما تخطط المملكة للانتقال له حاليًا.